على بُعد 35 كيلومترًا شمال مدينة أسوان في أقصى جنوب مصر، تقع قرية "بنبان"، إحدى أكثر المناطق سطوعًا للشمس في العالم، التي تحتضن مجمع بنبان للطاقة الشمسية، الأكبر في مصر، وهو من الأكبر في العالم بقدرة تشغيل تصل إلى 1465 ميجاوات، إذ يضم المجمع 32 محطة شمسية.

وفي حين يعزِّز المشروع الضخم الذي بدأ التشغيل التجاري له في أبريل من عام 2018 بتكلفة قدرت بحوالي 2.2 مليار دولار أمريكي قدراتها في إنتاج الطاقة، فإن طموح مصر لتسيُّد العالم في مجال الطاقة الشمسية قد يكون مهددًا في حالة تجاهُل تأثيرات تغيُّر المناخ، التي من شأنها التأثير على قدرتها على توليد الطاقة الشمسية؛ بسبب ارتفاع درجات الحرارة.

بلغ إنتاج مصر الفعلي من الطاقة من الخلايا الشمسية الكهروضوئية 3955 جيجاوات/ ساعة في العام المالي 2019-2020 وفقًا لأحدث إحصاءات هيئة الطاقة المتجددة المصرية. كما بلغ حجم الإنتاج الفعلي للطاقة من المركزات الشمسية 463 جيجاوات/ساعة في العام ذاته. ويتم توليد الطاقة من المركزات أو المجمعات الشمسية عن طريق حصاد الطاقة الحرارية من أشعة الشمس وتخزينها للاستخدام بعد ذلك. 

في دراسة نُشرت يوم 22 سبتمبر الماضي في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز"، حذر باحثون من أن ارتفاع درجات حرارة سطح الأرض، وزيادة كمية الرطوبة والهباء الجوي والجسيمات العالقة قد تؤدي إلى انخفاض إجمالي في الإشعاع الشمسي، وزيادة في عدد الأيام التي يقل فيها سطوع الشمس وتزداد السحب. 

ويرى الفريق البحثي مُعد الدراسة أن المناطق الحارة والقاحلة مثل الشرق الأوسط وجنوب غرب أمريكا، التي تعتبر من أعلى منتجي الطاقة الشمسية المحتملين، كانت الأكثر عُرضةً لتقلُّبات أكبر في كمية الإشعاع الشمسي. 

الدراسة التي أعدها باحثون في جامعات "برنستون" الأمريكية، و"خليفة" الإماراتية و"نانجينج" الصينية، تلفت الانتباه إلى خطورة التغيُّرات المناخية، التي تتسبب في رفع درجة حرارة الأرض، مما يزيد من قدرات الكوكب على توليد الطاقة بفعل تسخين غلافه الجوي، وهو ما تدحضه هذه الدراسة. كما تمثل النتائج صيحة تحذير للدول التي تتجه نحو هذا النوع من الطاقة المتجددة، مثل الإمارات، ومصر، التي تتوسع في مشروعات الطاقة الشمسية. 

الخلايا الكهروضوئية والتقطُّع

سيكون لتغيُّر المناخ تأثيرٌ مباشرٌ على أداء المحطات الكهروضوئية، يتمثل في التبايُن أو التقطُّع في كمية الإشعاع الشمسي الذي يصل إلى سطح الأرض، والذي هو ضروري للحفاظ على إنتاج الطاقة الشمسية.

اعتمد الفريق على بيانات الأقمار الصناعية ومُخرَجات النماذج المناخية لوصف تقطُّع الإشعاع الشمسي وتقييم الثبات المستقبلي للطاقة الكهروضوئية في أجزاء مختلفة من العالم. أظهرت نتائج الدراسة أن انخفاضًا طفيفًا في الإشعاع الشمسي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يمكن أن يؤدي إلى زيادة كبيرة في معدلات فقد الطاقة.

يشير الباحثون إلى تبايُن بين متوسط ​​الإشعاع الشمسي الذي يحدد إجمالي الطاقة الشمسية المحتملة، وثبات تلك الطاقة التي لا تزال تهددها مشكلة التقطع، خاصةً في غياب خيارات التخزين. هذا التناقض بين توافُر الطاقة الشمسية وعدم ثباتها يتطلب اهتمامًا خاصًّا في تقييم السيناريوهات المستقبلية للطاقة الشمسية.

توضح الدراسة أن مشكلة التقطُّع هي متغيِّر رئيسي ومؤثر في إنتاج الخلايا الكهروضوئية في ظل تغيُّر المناخ، في حين تعرَّضت الأبحاث السابقة إلى اتجاهات متوسط ​​الإشعاع الشمسي، والتي هي -على الرغم من أهميتها- غير قادرة على تقديم صورة كاملة للمشكلة، وفق "أناليزا موليني"، أستاذ هندسة البيئة والبنية التحتية المدنية في جامعة خليفة في الإمارات، والباحثة المشاركة في الدراسة.

توضح "موليني" في تصريح لـ"للعلم" أن التغيُّرات الصغيرة نسبيًّا في الإشعاع الشمسي الذي يصل إلى الأرض يمكن أن تُحدث تغييرات كبيرة في إمكانية ثبات الطاقة، خاصةً في المناطق التي تشهد نموًّا متسارعًا في إنتاج الطاقة الكهروضوئية، بشكل خاص في المناطق القاحلة التي تسعى إلى تحقيق خطط طموحة للمستقبل. "تُظهر دراستنا أن هذه المناطق هي الأكثر حساسيةً لتأثيرات تغيُّر المناخ على ثبات إنتاج الطاقة الكهروضوئية".

تربط الدراسة بين التصحُّر والجفاف وزيادة الهباء الجوي ومن ثم تشتُّت الإشعاع أو حجبه، كما أن درجات الحرارة المرتفعة تُسهم في تكوين مزيد من الرطوبة التي تحجب الإشعاع الشمسي أيضًا من خلال تكوين السحب الملبدة بالغيوم، والإبقاء على الجسيمات العالقة في الغلاف الجوي لفترة أطول. ومع ازدياد الاضطرابات الجوية وارتفاع درجات الحرارة في المناطق الجافة مثل الشرق الأوسط، من المحتمل أن تسبب التربة الجافة كمياتٍ أكبر من الهباء الجوي والغبار لتزداد حدة المشكلة.

إن للهباء الجوي والغبار تأثيرًا آخر أشارت إليه دراسة نُشرت في يونيو الماضي في دورية "نيتشر ساستينابيليتي"، وهو تلويث الألواح الكهروضوئية وتعطيل قدرتها على استقبال الإشعاع الشمسي. وأظهرت النتائج أنه في المناطق شديدة التلوُّث والمناطق الصحراوية مثل شمال إفريقيا والشرق الأوسط، تقلل المواد العالقة من الكفاءة الكهروضوئية للألواح بأكثر من 50٪. ويشدد باحثو الدراسة على أهمية تنظيف الألواح بشكل منتظم، حتى ولو كل بضعة أشهر.

يرى "ستيفان دي ولف" أستاذ الهندسة وعلوم المواد المشارك في "جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية" السعودية -غير مشارك في الدراسة- أن الباحثين لم يولوا تأثيرات درجات الحرارة الأهمية التي تستحقها من حيث دورها "الحاسم" في رفع تكلفة إنتاج الطاقة. "عادةً، يمكن أن تكون درجة حرارة الوحدة الشمسية أعلى من درجة الحرارة المحيطة بها بـ15 إلى 20 درجة بسهولة. أتوقع أن ترتفع درجات حرارة الوحدات مع زيادة درجات الحرارة عالميًّا". وفق الباحث. 

ويشرح "دي ولف" في تصريح لـ"للعلم" أن العلاقة بين الوحدة الكهروضوئية ودرجة الحرارة المحيطة تتأثر بالعوامل البيئية. فإذا انخفضت درجة صفاء السماء فإن الوحدة تكون أقل قدرةً على التبريد، مما يؤدي إلى مزيد من التسخين، وبالتالي فقدان القدرة على التوليد.

تخزين الطاقة

إن تقدير خسائر أي دولة -مثل مصر أو الإمارات- في إنتاج الطاقة الشمسية يتطلب تحليلاتٍ إضافيةً أكثر دقةً وتفصيلية، وهو ما يخطط الفريق البحثي للاضطلاع به مستقبلًا، وفق "موليني" الباحثة المشاركة في الدراسة. وترى الباحثة أن الحل الذي يجب أن تتبناه مصر وبلدان الشرق الأوسط الأخرى لمواجهة مخاطر تغيُّر المناخ على الطاقة الشمسية يتمثل في تخزين الطاقة.

لكن "بانايوتس كوزموبوليس" -خبير الطاقة المتجددة في المرصد الوطني في أثينا باليونان، الذي يتفق مع منهجية الدراسة ونتائجها- يشدد على أن الاتجاهات المستقبلية للسحب والهباء الجوي ستحدد مدى ثبات الطاقة الشمسية المنتجة، ويرفض ما تطرحه الدراسة بشأن تخزين الطاقة باعتباره الحل الوحيد للتخفيف من تأثير تغيُّر المناخ على ثبات إنتاج الطاقة الكهروضوئية في المناطق القاحلة مثل مصر والشرق الأوسط. 

في تصريحاته لـ"للعلم"، شرح "كوزموبوليس"، وهو باحث غير مشارك في الدراسة، وأحد المشاركين في إعداد أطلس مصر الشمسي، أن سبب رفضه للحل الذي تطرحه الدراسة يتعلق بكون إمكانيات الطاقة الشمسية في الشرق الأوسط أعلى بشكل كبير من أوروبا على سبيل المثال، لذلك فإن تقنيات التخزين الموجودة حاليًّا لن تكون مناسبةً لكل المناطق، فضلًا عن التغيُّرات المستقبلية في التكنولوجيا التي تتعامل مع أحمال الطاقة، وهو ما سيرسم مشهدًا مختلفًا تمامًا لإنتاج الطاقة في المستقبل. ويضيف: "إن تخزين الطاقة من خلال البطاريات مفيد الآن، ولكن ليس في المستقبل".

وتؤيد دراسة جديدة نُشرت في دورية "نيتشر" يوم 14 أكتوبر الحالي، ما ذهب إليه "كوزموبوليس" بشأن التوقعات بتغيُّر كبير في تقنيات نقل الكهرباء في العقود القادمة. وهو التغيُّر الذي تصفه الدراسة بأنه سيؤدي إلى تغيير كل شيء نعرفه عن الوصول إلى الطاقة واستخدامها، "مما يجعل الحلول الحالية لتخزين الطاقة -مثل البطاريات- مجرد تقنيات من الماضي".

من خلال دراسته للإشعاع الشمسي في مصر، يتوقع الباحث أن تصل الخسارة في إنتاج الطاقة الكهروضوئية خلال الأربعين عامًا القادمة ما بين 5 إلى 10٪ من حجم الإنتاج المحتمل. 

"يتعين على الدول الأكثر تضرُّرًا من تغيُّر المناخ أن تتجه إلى اقتصاد منخفض الكربون، وأن تبني أسلوب حياة قائمًا على الطاقة المتجددة. إذ تُعَد المستويات المحتملة للطاقة الشمسية في الشرق الأوسط ومصر هديةً من الطبيعة يجب استغلالها لتوفير طاقة ميسورة التكلفة وحديثة ونظيفة"، وفق "كوزموبوليس".